قراءة في رواية ‘رحلة بجواز سفر داغشي’

 ربما لن تستطيع أن تمنع نفسك من البكاء وأنت تقرأرواية رحلة بجواز سفر داغشي، هذا هو الانطباع الذي خرجت به بعد سؤالي لأكثر من شخص سافر عبر هذا المخطوط. علّقت إحدى القارئات على صفحتها في الفايسبوك بعد انتهائها من قراءة العمل”انهيت قراءة الرحلة الداغشية، عانقت الروعة والعمق تمنيت لو أن الرواية لم تنتهي”.

هذه الرواية التي اخترقت أماكن متعددة وهي تكسر قاعدة الأماكن الروائية جنوب شمال.
في هذه الرواية التي يمكن أن نعتبرها البنت البكر للرواية المغاربية. إذ تجد أنّ جُل دول المنطقة حاضرة في هذا العمل والأكثر من ذلك لم يكن هذا الحضور صُوري فقط، بل كان حضوراً قويا تتفاعل فيه الشخصية والمكان كما يتأثر بعضهما بالأخر.
كما غاص الكاتب عزيز شراج المغربي الجنسية المقيم في تونس في الجغرافيا واستحضر الأماكن غاص بقوة أيضا وهو يستحضر التاريخ ويُوثقه ويستنطق جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. مركزاً على ظاهرة القرن “الإرهاب”هذا المولود الذي وُلد من رحم عفن تزاوج فيه الفقر والجهل وولد في مستشفى الظلم الاجتماعي وبإشراف طبيب الفساد السياسي والاقتصادي الذي ساد ولازال يسود المنطقة.
هذا التنوع الذي تجده في هذه الرحلة النثرية والذي ميّز الرواية حتى أنك تعجز في أحيان كثيرة عن تصنيفها. يجعلك السفر عبر صفحاتهاالثلاثمائة والأربعين، وأنت تتابع بشغف رحلة العربي والراوي التي انطلقت من المغرب العميق حيث الهشاشة والفوارق الاجتماعية وسيطرة الشركات الأجنبية على سوق الشغل والأجور الهشة التي لا تستطيع تلبية احتياجات شاب القرن الواحد والعشرين لوحده فما بالك بفتح أسرة وتحقيق الأحلام التي رسمتها وطبعتها الآلة الغربية بقوة وعمق في مخيلة كل شاب مهما كان مستواه وتحصيله من العلم والدراسة. في هذا الزمن الذي أصبح الكل يلهث وراء مظاهر الغنى واليسر السيارة، الهاتف الذكي، الشقة، رصيد بنكي… لم تعد طريقة الحصول على هذه الأشياء مهمة كل الوسائل باتت مشروعة لتحقيق الحلم المعجزة، أنت تُحاكم من المجتمع فقط عندما تفشل. ناهيك عن المشاكل والعادات الاجتماعية المورثة والتي تزيد من قتامة الصورة وصعوبة العيش، يسافر العربي والرواي دون تخطيط ودون معرفة مسبقة ليلتقيا في تونس ويجدا مجتمع آخر مُصغّر للمغرب العميق الموجود في جل دول العالم، هذا المغرب المطحون الذي اختار الهجرة بكل السبل بحثا عن الكرامة والعيش الكريم.
في تونس البلد المغاربي الصغير الذي لا يمكن أن نُقارن امكانيته بإمكانيات المغرب ومع ذلك شكّل لفترة ما ملجأ للكثير من المغاربة إما للعمل أو كبوابة للعبورإلىالضفة الأخرى. تزامن وجود العربي والرواي وأصدقائه في تونس إبان الثورة أو ما سمي بالربيع العربي حيث تمت مساومة المتظاهرين المطالبين بالكرامة والعيش الكريم بالأمن فظهر الانفلات الأمني المتعمد لتأديب الشعوب على ثورتها ورغبة من النظام في إجهاض كل انتفاضة بل تعدى الأمر إلى خلق وتشكيل وعي جديد عبر بعث الكثير من القنوات ووسائل إعلام الهدف منها جعل المواطن العادي وحتى المثقف يكفر إ، صح التعبير بأي ثورة أو انتفاضةباعتبارها طريقا للخراب والانفلات الأمنيوهي أبعد على أن تكون طريقا للحرية الكرامة.
هذا الانفلات الأمني في تلك الفترة من تاريخ تونس سهّل العبور إلى الغرب بسهولة، هنا يُقرر العربي والراوي ومجموعة كبيرة من التونسيين الهاربين من السجون ومن الفقر السفر عبر قوارب الموت على أعلى درجات الضمير الإنساني والعالمي إلى الغرب حيث الجنة الموعودة المرسومة أيضا في ذهن اغلبية الشعوب الفقيرة. لكن لسوء حضهما تزامن هذا السفر مع إنشاء ما سمي بتنظيم “داعش المغرب ” وبينما كانت كل وسائل الإعلام تصور قوارب الموت التي وصلت الى إيطاليا من تونس.
لم يكن أحد يُصور الشاحنات التي كانت محملة بالمجندين الذين سيشكلون نواة تنظيم إرهابي جديد في المنطقة، في هذه الرواية ستجد إجابة لمجموعة من الأسئلة التي يطرحها الجميع.
كيف يتم اصطياد وإقناع الشباب للانضمام الى هذا الجحيم؟ كيف تتم التدريبات؟ وماهي الأعمال المطلوب منهم إنجازها؟ وكيف؟كيف تتم عملية صناعة ما سمي بجهاد النكاح؟  كل هذه الأسئلة إضافة إلى أسئلة خرى ستجد لها إجابة وأنت تقرا وتلتهم صفحات هذا العمل بعيدا كل البعد عن الضجر ربما لن تستطيع في أحيان كثيرة ان تمنع دموعك من النزول. رحلة بجواز سفر داغشي ربما هي رحلة كل شاب عربي قُدر له أن يعيش فوق هذه الأرض في هذا التوقيت وهذا الزمان