ليوستراوش وأزمة الفكر السياسي الحديث

25,000 د.ت
الكاتب: محمد كراي العويشاوي
“إنّ أزمة الحداثة، إذن، هي في المقام الأول،أزمة الفلسفة السياسيّة الحديثة”.
-ليو شتراوس، الموجات الثلاث للحداثة.
تكتنف الكتابة عن ليو شتراوس (1889-1973م) إشكالات عديدة، لا تبدأ من الإشكالات الفكريّة والسجالات حوله، ولا تنتهي بكون خطاب وأفكار ليو شتراوس تعدّ أحد أهمّ المراجع المؤسّسة لأفكار تيار المحافظين الجدد (Neoconservatism). ولا غرابةَ أن تكون أفكاره كذلك، فهو اليهودي الهارب من ألمانيا النازيّة إلى أمريكا، وهو كذلك ناقد الليبرالية بشكل جذري، منذ بداية تأسّسها غربياً، وفي تجلّياتها المعاصرة.
ونحن هنا، سوف نضطلع بقراءة نصٍّ هامّ لليو شتراوس، قد عنونه ليوستراوش وازمة الفكر السياسي الحديث وهو بمثابة نصّ هامّ وجذريّ؛ نظراً لأنّه يُعيد فحص علاقة المُحدَثين بالعالَم، بعد الأزمة التي مرّت -وما زالت تمرّ إلى يومنا هذا في أشكالٍ جديدة- بها الحداثة، وقد تجلّت الأزمة خير تجلٍّ في الحروب العالمية؛ مما أبرزَ أصوات متشائمة تجاه، ليس فقط الحداثة، إنما تجاه “الغرب” نفسه، ككتاب اشبنغلر: “أفول الغرب[2]” (the decline of the west)، وهي أزمة أصبح وجودها “[…] جليًّا، حتى لذوي الأفهام الضعيفة[3]”، كما يقول شتروس.
انشغلَ ليو شتراوس بالفلسفة السياسية ما قبل الحديثة، من اليونان مروراً بالفرابي وابن ميمون حتى العصر الحديث، وفي حفرِه للفلسفة السياسيّة القديمة تدبّرَ المُشكل السياسي ما قبل الحديث المتعلّق بمفهوم الفضيلة وما ينبغي أن يكون (the ought) عليه الوجود الإنساني في شكلِه السياسي. ولذلك، لا يفتأ يردّد أن الأزمة المعضِلة للحداثة هي أزمة الفلسفة السياسيّة؛ لكن “الفلسفة السياسية (political philosophy) ليست -في نظرِهِ- مبحثاً أكاديميًّا، لأنّ معظم فلاسفة السياسة العظام لم يكونوا أكاديميين[4]”.
فالفلسفة السياسيّة هي التي تُعطي المعيار لأحكام القيمة، تقليديًّا، بيد أنّها قد اقتصرت، حداثيًّا، على الأحكام الواقعيّة؛ مما حعلها تفقد حسّها المعياري. ولهذا، فإنّ الأزمة الحديثة في عمقها، ” تكمن في واقع كون الإنسان الغربي الحدث لم يعد فهم ما يريد، ولم يعد يعتقدُ أنّ بإمكانهِ أن يعرفَ ما هو خيرٌ وما هو شرّ، وما هو صحيح وما هو خطأ[5]”. أي إنّ أحكام القيمة لم تعد في مستطاع الإنسان الغربي، وأصبح الحكم الواقعي فقط ما يستطيعُه، وهذا، من منظور شتراوس، هو في جوهره أزمة الفلسفة السياسيّة الحديثة، وليس مجرّد مشكل تقني صغير.

إنّ العقلنة الحداثيّة لم تكن تقتصر فقط على الأبعاد غير السياسيّة من الاجتماع الإنساني، بل إنّها كانت تشمل العمليّة السياسيّة بالأساس. فحسب ليو شتراوس، إن منشأ الحداثة ومأزقها وانتهائها سياسيّ بالأساس وليس معرفيًّا حصراً. إن العالم ما قبل الحديث كان يواجه إشكالاً في الغرب يتعلّق بالمأزق اللاهوتي السياسي وكيفية إدراة المجتمع وتحقيق سياسات أكثر لصوقاً بتحقيق الرفاه والتقدّم. إن الحداثة السياسيّة هي التحقيق المتأخّر لأمنيّة أفلاطون الأوّل حول تحقيق مملكة الربّ في الأرض.

إذن، المشكل السياسي الحديث يتعلّق بالأساس ويتمحور حول كيفيّة تحقيق هذه المملكة. ويبدو أن السياسة ما قبل الحديثة مع الكنيسة لم تكن سياسة بقدر ما كانت لاهوتاً قد استنفذ ليحلّ في شخص البابا الذي يجعل من القرار السياسي قراراً لاهوتيًّا.

وفي قراءتِه للحداثة، يقسّم شتراوس الموجات الثلاث للحداثة إلى: 1- الموجة الأولى: ميكافيلّي (الذي أسمّيه: الأب المتخفّي)، وهوبز (الذي أسمّيه: الوريث البطل)؛ 2- الموجة الثانية: روسّو، وكانط؛ 3- الموجة الثالثة: نيتشه، كمدشّن لما بعده.

Reviews

There are no reviews yet.

Be the first to review “ليوستراوش وأزمة الفكر السياسي الحديث”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *